فصل: مطلب أقوال الأجانب في بدء الكون ونهايته وشيء من المخترعات الجديدة ونبذة في الروح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب خلق الإنسان والجان ونشأة الكون وعمران الأرض:

قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} آدم عليه السلام الذي هو أصل الخليقة بدليل قوله {مِنْ صَلْصالٍ} طين يابس تسمع له صوت إذا ضربته كالصلصلة {مِنْ حَمَإٍ} ضارب للسواد وهو صفة الصلصال {مَسْنُونٍ} متغير قال تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}، أي: لم يتغير وهو صفة لحمأة، فهذه القيود تعين أن المراد بالإنسان هنا أبو البشر آدم عليه السلام لا مطلق انسان لأنه خلق من الماء المعبر عنه بالنطفة الحاصلة من الزوجين وما قيل إن معناه مصور استدلالا بقول حمزة رضي اللّه عنه في مدح ابن أخيه محمد صلّى اللّه عليه وسلم:
أغرّ كأن البدر سنّة وجهه ** جلا النعيم عنه ضوءه فتبددا

وقول ذي الرّمة:
تريك سنة وجه غير مقرفة ** ملساء ليس بها خال ولا ندب

لا يستقيم هنا واللّه أعلم.
قال اللّه تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ} أي أبا الجن {مِنْ قَبْلُ} خلق آدم {مِنْ نارِ السَّمُومِ} شديد الحرارة تنفذ في المسام، أجارنا اللّه منها، تؤيد هذه الآية أن الجن كان في الأرض قبل آدم وهو كذلك ولكن لا نعلم مبدأ خلقهم، مما يدل على أن الأرض قديمة قبل آدم بكثير، وقد جاء في الأخبار أنهم لما أفسدوا فيها- كما يدل عليه قوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} قرضهم اللّه تعالى، ولم يبق منهم إلا إبليس لما كان عليه من العبادة والزهد فيما يبدو للملائكة، فألحقه بهم مع علمه بنتيجة حاله ليقع عليه اللوم.
ثم أعلم رعاك اللّه أن هذه الأرض التي خلق اللّه أصلنا منها وقضى بعودتنا إليها وإخراجنا منها ثانيا كما مر في الآية 64 من سورة الأعراف الآية 55 من سورة طه المارتين في ج 1 قد مرّ عليها قرون كثيرة وهلك فيها أقوام لا عداد لهم، وقد شاهدت بعيني حالها من صنوف الحياة العجائب المدهشات، ومهما تاق الإنسان لمعرفة عمرها فلا يقدر أن يتوصل إليه، ولا يزال عاجزا مهما بالغ في التنقيب، لذلك لجأ الكلدانيون أولا لتقدير عمرها بحسب التخمين، فقدروه بمليون سنة، ثم ظهر العالم بطبقاتها زور ولستر سنة [1950] وقال إن عمرها لا يزيد على سبعة آلاف سنة، وجاء بعده آثر فقال إن عمرها قبل المسيح بأربعة آلاف سنة أي تكون الآن قريبا من ستة آلاف سنة، فانظر إلى هذه المباينة، واعلم أن كل قول فيها مصدره الحدس وهو لا يغني عن الحق شيئا، لأن هذين القولين لا يمكن أن ينطبقا على عمر الأرض بل قد ينطبقان على نشأة آدم عليه السلام فقط، وبعد أن مضى عمر هذين العالمين وضعت على بساط البحث بين الأثريين فقدر علماؤهم أن تحسب المدة اللازمة لترسب سمك خاص من الطبقات الأرضية المنتظمة كالأرض الزراعية، إذ يترسب فيها سنويا مقدار من الغرين بقدر سمك {ميليمتر} واحد، فإذا كان سمك الطبقة مترا فمعنى ذلك أن هذه الطبقة استغرقت على الأقل ألف عام في تكوينها، وقد استخدمت هذه الطريقة في أمريكا الشمالية ولو حظ أن الترسب فيها يقرب من الترسب في أجزاء كثيرة من الكرة الأرضية فقدروا عمرها على ذلك بعشرين مليونا من السنين، ثم عيب على هذه الطريقة عدم انتظام الترسب واختلاف الحبيبات والبواعث الموجبة للترسب مما يؤدي إلى خطأ كبير في التقدير، وهو كذلك، ثم انبعثت طريقة أخرى تتوقف على تقدير الأملاح في المحيطات، إذ أن ماء المحيطات بخار كان غلافا للكرة الأرضية أيام انصهارها، فلما بردت تكاثفت تلك الأبخرة وكون ماء المحيطات ولم يكن إذ ذاك ملحا بل أتاه الملح من {الصوديوم} الذي هو مادة الملح، إذ حملته الأنهار من الأرض إلى البحر، فإذا قررت كميّة الملح التي تضاف إلى مياه المحيطات سنويا وقدرت كمية الملح الموجودة فعلا يمكن تقدير عمر الأرض، لأن انتفاء الشرط يؤذن بانتفاء المشروط، وقد تعددت الأبحاث في مختلف بقاع الأرض على طرق اتفقوا عليها فظهر أن عمرها ما بين ثمانين وتسعين مليونا، ثم اكتشف الراديوم سنة [1902] فتبين أن هذا العنصر يشع في نفسه باستمرار منتظم من غير تدافع أجزائه وتساقطها نحو المركز، وإن هذه الأجزاء تنحل وتنحول إلى جسم آخر وهو الرصاص، وباستخدام هذه الطريقة قدر عمر الأرض بألف وأربعمائة ألف سنة، ولا زالت الآراء متضاربة، ولا يزال أهلها يحاولون عبثا إدراك مبدأ الكون أي تجمد الأرض، وقال الأستاذ رضوان بن محمد رضوان عند ما تمثل بقوله تعالى: {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} بأن عمر الأرض لا يقل عن مائة مليون سنة، وانتقل إلى تاريخ حياة الأرض مستدلا بما كتبه الدهر على صفحات الصخور، أو في أعماق الأرض من بقايا الكائنات الجية، معترقا بأنه دون الحقيقة بالنظر للحوادث التي تعاقبت فبدلت آثارها، ولمرور مصور كثيرة من غير أن تترك أثرا على سطحها، ثم قال يعتقد الأكثرون أن الأرض كانت كتلة غازية بردت تدريجيّا فتصلّبت ثم أحاط بها نطاق من الهواء تكشف ما به من البخار، فهطلت أمطار عزيرة كونت مياه البحار والمحيطات، ثم بدأت الرياح والأمطار تعمل عملها في تغيير معالم اليابس باستمرار، فكثيرا ما ارتفعت سلاسل جبال شامخات ثم تعود الرياح فتفتتها وتفذفها في البحر، وكانت القارات أعظم اتساعا مما هي عليه الآن، إذ كانت تمتد شرقا وغربا أكثر منها شمالا وجنوبا أما الآن فقد تبدل الحال إذ أنمار المحيط على جوانبها فأنقصها.
وللعلماء في أصل الأرض نظريات فقد وضع العالم الألماني سنة [1755] نظريته السديمية فقال إن الكون نشأ من كتلة لا شكل لها، وأن الفضاء كان يشغله سديم {هو تركيب في بعض الأجرام السماوية على شكل سحابة صغيرة} عظيم أي سحابة كبيرة مكون من مواد غازية مرتفعة الحرارة {راجع الآية 6 من سورة هود المارة حيث سمي هذا السديم عماء وتدبر معناه وقسه مع هذا} ثم انقشعت هذه السحابة تدريجيا بتركيز هذه الغارات بالجاذبية حول نقطة معينة أكثر كثافة من أجزاء السديم، فكانت هذه النقطة فيما بعد النجوم الحارة والشموس المختلفة وتعتبر شمسنا هذه أصغرها حجما، وقد اشتق من هذه النظرية المجملة العالم الأفرنسي لابلاس نظرية في أصل الأرض سنة [1842] فقال إن المجموعة الشمسية كانت كتلة غازية مضيئة تشغل فراغا عظيما ثم انكمشت تدريجا بسبب تشعّع حرارتها فتركت حلقات غازية انفصلت عنها الواحدة تلو الأخرى، ثم تركزت كل حلقة منها حول نقطة معيّنة أصبحت فيما بعد كوكبا من الكواكب وبذا تكونت الكواكب الثمانية السيارة التي منها الأرض والسيارات السبع وهي زحل والمشتري والمريخ وعطارد والزهرة والقمر، فكل واحدة من هؤلاء في طبقة أعلى من الأخرى على هذا الترتيب، أدناها الأرض، وأعلاها زحل، قالوا وانفصل منها كذلك ما يقرب من ألف كوكب صغير، فتكون الأرض إذا بحسب هذه النظرية مثلها مثل باقي الكواكب الأخرى بدأت حياتها سحابة غازية ثم بردت وتحولت مادة سائلة فتصلّبت قشرتها الخارجية، وأنها تزداد برودة يوما فيوما وتزداد قشرتها سمكا، وقد بقيت هذه النظرية مقبولة مدة طويلة حتى أن التحقيق العلي والمشاهدات الحسية أقاما البرهان على عدم صحتها، لأن قبولها يقتضي أن تكون حرارة الكرة الأرضية في تناقص مستمر والواقع يخالف هذا إذ تبين أن أقدم أنواع الكائنات التي عاشت على سطح الأرض في الأزمان السحيقة لم تكن تتحمل حرارة أكثر مما تتحمله الأحياء الحالية كما أنه ثبت أن أجزاء من الكرة الأرضية كانت تغطيها الجليد.
ولما ظهر بطلان نظرية {لابلاس} السديمية ظهرت نظرية {تشجرلن} المسماة الذرات الكوكبية أو الأرض الباردة، فقال أن الشمس كانت أول أمرها سديما أيضا فدنت من نجم أكبر منها فحدث من تأثير الجاذبية بينهما أن تفككت الأجزاء الخارجية للشمس واندلعت منها ألسنة نارية حلزونية طويلة مركبة من ذرات معدنية بينها كتل حارة كبيرة، ثم انقشع السديم تدريجبا باجتماع الأجزاء الصغيرة حول الأجزاء الكبيرة بالجاذبية فكانت الكواكب ومنها الأرض، ثم ظهرت نظرية الكوكبيات {لبرل} وهي تشبه النظرية السابقة إلا أن الذرات استبدلت بكوكبات صغيرة لا يزيد قطر الواحدة منها على [485] ميلا، فهذه الكوكبيات سقطت على نواة الأرض فنشأ من الاصطدام حرارة فتكونت أرض حارة ذات قشرة منصهرة، وبعد ذلك قل الاصطدام وبدأت الأرض تبرد بالتدريج.
ثم اعلم أن كثيرا من العلماء ينسب أصل الجوّ إلى غازات حارة أغلبها بخار الماء ثم قليل من أول وثان أكسيد الكربون وحمض الكلوروديك وبعض الآزوت، أما الأكسجين فلم يكن حرا، ويرجح العلماء أن انطلاق الهواء في الجو يعود إلى عوامل بركانية، أي أن أصل الهواء عبارة عن غازات أو أبخرة لفظتها البراكين والينابيع الحارة من الأعماق البعيدة في باطن الأرض، إذ كانت مكتومة تحت ضغط جبار في المنصهرات الباطنية، فلما خفّ الضغط انطلقت هذه الغازات وملأت الجو وعليه قول القائل:
فبطنها محشوة بالنار ** وقشرها قد شق بالبخار

ولما كان سطح الأرض تعلوه سجف كثيفة مستديمة بدأت الأمطار تهطل بغزارة شديدة ولكنها قبل ما تصل إلى سطح الأرض تستحيل إلى بخار بسبب الحرارة الشديدة المنبعثة من سطح الأرض فينطلق إلى الجو ويكون سحبا يتراكم بعضها فوق بعض فتهطل الأمطار ثم تعود فتدخر دون أن تصل إلى الأرض وهكذا دواليك فلما بردت الأرض أمكن للأمطار أن تصل إلى سطحها ولكنها لم تمكث بل تتبخر ثانية وقد ظللت الحال كذلك زمنا وجيزا لا يزيد على بضع آلاف من السنين {ان الأزمان الجولوجية تعني ملايين السنين وتعد مليون سنة فترة قصيرة من الوجهة الجولوجية} ثم بدأ يتكون محيط هائل يطم الأرض بأجمعها وكانت مياهه عميقة وهنا بدأت الشمس تمد الأرض بالحرارة وترسل أشعتها خلال السحب وبقيت البراكين على حالها في الثوران فتسبب عن إطلاقها المعادن المنصهرة بقوة عظيمة ومقادير هائلة أن غيرت من استواء سطح الأرض فهبطت أجزاء تجمعت فيها المياه فيما بعد وبذا تكونت أحواض المحيطات وأما الأجزاء التي لم تتراكم فوقها الحمم فكونت القارات وعلى هذا فلربما كانت الكائنات المائية هي أولى الكائنات التي ظهرت على وجه البسيطة عند ما تهيأت أسباب الحياة فنشأت في المحيطات أنواع كثيرة من الحيوانات اللافقرية البحرية وقد هاجر بعضها إلى الأنهار وتطورت مع الزمن إلى سمك المياه العذبة ولما كان الجفاف الذي كثيرا ما تتعرض له الأنهار يهدد حياتها بالخطر، لذلك قد أخذت تهيء نفسها للعيش على اليابس فكانت منها الحيوانات الضفدعية وهذه تطورت إلى أنواع أرقى حتى ظهرت الحيوانات الندية ثم خلق اللّه تبارك وتعالى الإنسان فاستخلفه في الأرض قال تعالى: {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}
فظهر مما تقدم أن كل ذلك لم يخرج عن الظن والتخمين كما ذكرنا آنفا لأن أهم الوسائل التي يستندون عليها في عمر الدنيا ومبدأ الحياة فيها هو الحفريات وهي عبارة عن العثور على بقايا حيوانات أو نباتات عاشت في الأزمنه الجولوجية القديمة التي لا توجد في الصخور وليس من الضرورة أن تكون هي البقايا الأصلية للكائنات.
وعلى الطبقات المترسبة في الأرض وهي تختلف باختلاف الهواء والمكان والزمان كما علمت فلا تدل على حقيقة راهنة وأن ما يوجد من الصور والتماثيل المنقوشة على الصخر لا يمكن أن يعرف منها الزمن بصورة يثق فيها الإنسان إذ لا يوجد تاريخ قبل التوراة بإجماع أهل العلم الحديث والقديم وعليه فان النقوش وحدها وإن أثبتت وجود ناقشيها ومهارتهم فأنها لا تثبت زمانهم والعبرة في معرفة التاريخ للزمن فضلا عن أنهم قالوا لا يوجد من الكائنات الحية التي اندثرت أجسامها إلا نحو واحد بالمائة لأن جسم الحي يتحلل بتأثير الباكتريا والفطر والديدان فيزول من الوجود وإذا لم يكن محنطا لا يتجاوز محق ومحو هيكله الصلب السبعين سنة أما الأعضاء الرخوة التي لا هيكل لها فتندثر بسرعة بحسب مادة الأرض ولا يبقى لها أثر ما وأنسب الأماكن لحفظ الحفريات هي المحيطات والبحار وأصلح الرواسب هي المواد الجيرية الموجودة في البحار.
هذا بعض ما يقوله أهل العلم الظاهري في نشأة الكون وأنه قد يكون له نصيب من الصحة وقد لا يكون أما العلماء الرومانيون فلا يعتقدون صحتها اعتقادا جازما لأن الأمور التي تستند إلى الدين الحق لا يطبق عليها نظريات فرضت فرضا مصدرها الظن والتقدير والوهم لأنها لا تستند على شيء حقيقي ثابت ولا على دليل قاطع ولذلك يمكن لكل أحد أن يجادل فيها وينكرها أو يحاول على عدم إثباتها، وكذلك القياس فيها منتف إذ لا يقاس على أقوال لم ترتكز على حقيقة واضحة فضلا عن أصحاب هذه الأقوال فإنك لو سألتهم عنها لا يجيبونك عن أنها صحيحة بضمير مطمئن لمضاربة كل نظرية منها الأخرى وتباينها بعضها مع بعض، وعدم إجماع قائليها على مبدأ واحد كما علمت، أما ما جاء من الإشارة إلى مبدأ لكون بالقرآن العظيم وهو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} الآية 70 من سورة الأنبياء الآتية وما بعدها وشبهها من الآيات الدالة على ذلك وعلى أصل الخلقة إجمالا، وما جاء في الأخبار والأحاديث الواردة عن حضرة الرسول التي ذكرنا قسما منها في الآية 6 من سورة هود المارة وأشرنا فيها إلى المواقع الأخرى منها فلا يستطيع أن ينكره إلا من ختم اللّه على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة.

.مطلب أقوال الأجانب في بدء الكون ونهايته وشيء من المخترعات الجديدة ونبذة في الروح:

وانظر ما يقوله العلامة اسحق نيوتن الفلكي الشهير صاحب القوانين المعروف {في صدد حركات الفلك}: المؤكد أن الحركات الحالية للكواكب لا يمكن أن تأتي مع محض الجاذبية لان هذه القوة تدفع الاجرام نحو الشمس فقط وعليه وجب أن توجد قوة إلهية خارقة لتديرها في مداراتها.
وإلى ما يقوله اللورد كلفن العالم الشهير الطبيعي: ولابد أن يكون للأرض مبدأ وسوف يكون لها نهاية وهناك قوة إلهية تدبر هذا الكون وهو الخالق الأوحد، هذا ولعل المخترعات الحديثة تظهر لنا غير هذا مما يسوق الناس قهرا إلى الاعتراف بالإله الواحد، وقد بدأت قديما وستتابع إن شاء اللّه، فقد اخترع الترياق سنة 100 والسوائل سنة 410 ودود القز سنة 500 وطواحين الماء سنة 600 والورق سنة 700 واستخراج السكر سنة 800 وصناعة الطباعة سنة 939 وعلامات الأصوات الموسيقية سنة 1000 والمرائي من الزجاج سنة 1204 ونظارات العيون سنة 1270 والبارود والساعات الدقاقة سنة 1280 والإبر المغنطيسية سنة 1312 وآلة ضفط الهواء سنة 1340 وساعات الجيب سنة 1500 وميزان الهواء سنة 1643 وميزان السوائل سنة 1692 وغيرها كثير، وفي عصرنا هذا اخترعت السيارات والطائرات والدبابات والراديو والهاتف واللاسلكي والقنابل والصواريخ والنفاثات والذرة والأقمار الاصطناعية وللركبات الهوائية وغيرها، وما نعلم ماذا يلهم اللّه تعالى خلقه من المخترعات الأخرى حتى يتم مراده في قوله عز قوله {حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} الآية 23 من سورة يونس المارة.
اللهم إنا نسألك اللطف فيما جرت فيه المقادير والستر والعافية، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
قال تعالى: {وَ} اذكر يا محمد لقومك {إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} تقدم تفسيره في الآية 26 المارة، وما قيل إن مسنون بمعنى مصور أو مصبوب لا قيمة له في هذا المقام، راجع الآية 26 المارة ولا يعد هذا تكرارا لأن الآية الأولى جاءت بمجرى الاخبار، وهذه مخاطب بها حضرة الرسول ليعلمه كيفية بدأ الخلق لأجله، وما نجم عن مخالفة بعض مخلوقاته لأمره والثالثة الآتية حكاية عن قول إبليس يبين فيها بماذا قابل ربه تجاه إنعامه عليه، تدبر.
{فَإِذا سَوَّيْتُهُ} عدلته وأتممت خلقه على ما هو في سبق علمي الأزلي {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} وهذا معنى قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ}، والنفخ في العرف إجراء الريح من الفم أو غيره في تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، والمراد هنا واللّه أعلم تمثيل إفاضة مادية الحياة بالفعل على المادة المقابلة لها، وليس هناك نفخ حقيقية بالمعنى الذي نعرفه، وهذا الروح هو جوهر مجرد ليس داخل البدن ولا خارجه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وليس بجسم يحل بالبدن حلول الماء في الإناء، ولا هو عرض يحل بالقلب أو الدماغ حلول السّواد في الأسود والعلم في العالم، {فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} سجود تحية لا سجود عبادة والخطاب للملائكة أو أن السجود للّه تعالى يجعل آدم عليه السلام بمنزلة القبلة لهم لما ظهر فيه من أعاجيب آثار قدرة اللّه تعالى وحكمته، وعليه قول حسان رضي اللّه عنه:
أليس أول من صلى لقبلتكم ** وأعلم الناس بالقرآن والسنن